الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
مسألة: رجل سلم على جماعة مسلمين وفيهم نصراني فأنكر عليه ذلك فقال ما قصدت الا المسلمين فقيل له من حقك أن تقول السلام على من اتبع الهدى فهل يجزئ اللفظ الأول أو يتعين الثاني. الجواب: لا يجزئ في السلام إلا اللفظ الأول ولا يستحق الرد إلا به ويجوز السلام على المسلمين وفيهم نصراني إذا قصد المسلمين فقط، وأما السلام على من اتبع الهدى فإنما شرع في صدور الكتب إذا كتبت للكافر كما ثبت في الحديث الصحيح. مسألة: إذا قال من يشمت العاطس يرحم الله سيدي أو قال من يبتدئ السلام السلام على سيدي أو الراد وعلى سيدي السلام هل يتأدى بذلك السنة أو الفرض. الجواب: قال ابن صورة في كتاب المرشد: وليكن التشميت بلفظ الخطاب لأنه الوارد، قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: وهؤلاء المتأخرون إذا خاطبوا من يعظمونه قالوا يرحم الله سيدنا أو ما أشبه ذلك من غير خطاب وهو خلاف ما دل عليه الأمر في الحديث قال وبلغني عن بعض علماء زماننا أنه قيل له ذلك فقال قل يرحمك الله يا سيدنا قال وكأنه قصد الجمع بين لفظ الخطاب وبين ما اعتادوه من التعظيم. انتهى. ويقاس بذلك مسائل السلام. مسألة: رجل قال اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك فأنكر عليه شخص فمن المصيب. الجواب: هذا الكلام أنكره بعض العلماء ورد عليه الأئمة منهم النووي وقال: الصواب جواز ذلك ومستقر الرحمة هو الجنة. مسألة: رجل من الصوفية أخذ العهد على رجل ثم اختار الرجل شيخا آخر وأخذ عليه العهد فهل العهد الأول لازم أم الثاني. الجواب: لا يلزم العهد الأول ولا الثاني ولا أصل لذلك. مسألة – ما قولكم يا أولي الألباب في رجل *** مؤذن لخطيب كلما صعدا يقول ملتزما بعد الصلاة على *** خير البرية من جاء الأنام هدى وزده يا رب تشريفا وقد علموا *** ضرورة أنه بالمجد منفردا وقدره زائد وهو المكمل في *** خلق وأخلاقه محمودة أبدا لم يسأل الشرف العالي لرتبته *** إذ شرفت بعزيز خص متحدا فهل عليه اعتراض في مقالته *** وقد تعاهد هذا كل من وجدا أو قوله ذا يضاهي ما يجوزه *** متن الحديث الذي في ضمنه وردا ذكر الترحم يا من للعلوم يرى *** وفضله ظاهر والخير منه بدا أنت الذي ناله من فيضكم مدد *** وزال عنه بفتياكم أذى وردى لازلت ترشد محتاجا لمسألة *** أعيت ونلت منالا ناله السعدا الجواب – الحمد لله حمدا دائما أبدا *** سبحانه لم يزل بالحمد منفردا ثم الصلاة على الهادي النبي ومن *** هدى بدعوته الأدنين والبعدا من قال للمصطفى أثناء دعوته *** وزده يا رب تشريفا فقد رشدا ولا اعتراض عليه في مقالته *** ولا التفات إلى إنكار من فندا ألا ترى النووي الحبر قال كذا *** في صدر خطبة كتب عددت عددا وهو المكمل حقا في فضائله *** من غير ريب ولا نقص يهيى أبدا لكن زيادات فضل الله ليس لها *** حد تحاط به أو تنتهي أبدا وانظر أحاديث أوصاف الجنان تجد *** مضمونها بالذي قد قلت قد شهدا في كل يوم يراه الأنبياء بها *** والمؤمنون نوالا لم يكن عهدا وعند رؤية بيت الله زده على *** دعا النبي وتشريفا كما وردا فهل يقول امرؤ في كعبة عظمت *** بأن هذا توهم ليس معتمدا وابن السيوطي قد خط الجواب عسى *** يوم المعاد يجي في زمرة السعدا مسألة: هل يستدل لجواز قول الناس ما لي إلا الله وأنت بقوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين). الجواب: قد يتمسك به المتمسك لكن يرد عليه أمور منها أن الأرجح في من اتبعك أنه معطوف على الكاف لا على الجلالة، والتمسك إنما يصح إذا قدر معطوفا على الجلالة، ومنها أن هذا الكلام صادر من الله وهو صاحب هذا المنصب فلا يصلح أن يقاس عليه المخلوقون في قولهم مثل ذلك ونظيره أنه تعالى أقسم بالمخلوقات في قوله والذاريات والطور والنجم والفجر والشمس والليل والضحى والتين والزيتون والعصر وليس ذلك لغيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لغيره بلفظ الصلاة لأنه صاحب منصب الصلاة وليس لغيره أن يدعو لأحد من الأمة بلفظ الصلاة، وذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قوله صلى الله عليه وسلم (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) أن التشريك في الضمير من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد نهى عنه في قصة الخطيب، ويؤيد عدم الاستدلال بالآية على ذلك ما ورد أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال (جعلتني لله عدلا بل ما شاء الله وحده). مسألة: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب هل تستجب أو تكره فقد ذكر بعض العلماء أنها تستحب وقال أخذته من نص الشافعي رضي الله عنه في قوله وأحب أن يكثر الصلاة عليه في كل الحالات قال فدخل في عمومه حالة التعجب، ثم نقل عن سحنون أنه كرهها عند التعجب وقال لا يصلى عليه إلا على طريق الاحتساب وطلب الثواب ثم نازعه في ذلك بأن ذكر الله عند التعجب مشروع، وقد بوب عليه البخاري فقال باب التكبير والتسبيح عند التعجب وروى فيه حديث عمر وحديث صفية، وهل ورد دليل خاص بكراهتها كما قال سحنون. الجواب: قد يستدل لسحنون بما أخرجه الحاكم عن ابن عمر أن رجلا عطس بحضرته فقال الحمد لله والسلام على رسول الله فقال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله ولكن ما هكذا علمنا، لكن الذي نختاره خلاف قول سحنون لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الصلاة عليه حالة التعجب ولا ترد قصة ابن عمر في العطاس لأن العطاس ورد فيه ذكر يخصه فالعدول إلى غيره أو الزيادة فيه عدول عن المشروع وزيادة عليه وذلك بدعة ومذموم فلما كان الوارد في العطاس الحمد فقط كان ضم السلام إليه من الزيادة في الأذكار وذلك متفق على ذمه وقد نهى الفقهاء عن الصلاة عليه عند الذبح لأنه زيادة على ما ورد من التسمية، وقد عقد النووي في الأذكار بابا لجواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما وأورد فيه عدة أحاديث وآثار وقع فيها ذكر سبحان الله عند التعجب فقول النووي ونحوهما يدخل فيه فصل القول في ذلك أن الصلاة عند التعجب لا تكره لعدم النهي ولا تستحب لعدم دليل على طلبها حينئذ بل هي من الأمور المباحة كما أشار إليه النووي بلفظ الجواز في الترجمة. مسألة: في شخص يدعى فقها يقول أن توحيد الله متوقف على معرفة علم المنطق وإن علم المنطق فرض عين على كل مسلم وإن لمتعلمه بكل حرف منه عشر حسنات ولا يصح توحيد من لا يعلمه ومن أفتى وهو لا يعلمه فما يفتى به باطل، وقال إن الحشيشة كل من استعملها كفل، وقال إن المجتهد يحل الحرام ويحرم الحلال، وقال إن أبا حامد الغزالي ليس بفقيه وإنما كان زاهدا فماذا يجب عليه في ذلك. الجواب: فن المنطق فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به لبنى؟؟ بعض ما فيه على القول بالهيولى الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على مجموع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه ونص عليه من أصحابه إمام الحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب الشامل وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن عبد السلام وأبو شامة والنووي وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوى والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف بن المقري وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي، ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب الرسالة والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوشي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي جمرة وعامة أهل المغرب، ونص عليه من أئمة الحنفية أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بحب علم المنطق، ونص عليه من أئمة الحنابلة ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألف في ذمه ونقص قواعده مجلدا كبيرا سماه نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان وقد اختصرته في نحو ثلث حجمه وألفت في ذم المنطق مجلدا سقت فيه نصوص الأئمة في ذلك، وقول هذا الجاهل إن المنطق فرض عين على كل مسلم يقال له إن علم التفسير والحديث والفقه التي هي أشرف العلوم ليست فرض 0بالإجماع بل هي فرض كفاية فكيف يزيد المنطق عليها فقائل هذا الكلام إما كافر أو مبتدع أو معتوه لا يعقل، وقوله إن توحيد الله متوقف على معرفته من أكذب الكذب وأبلغ الافتراء ويلزم عليه تكفير غالب المسلمين المقطوع بإسلامهم ولو قدر أن المنطق في نفسه حق لا ضرر فيه لم ينفع في التوحيد أصلا ولا يظن أنه ينفع فيه إلا من هو جاهل بالمنطق لا يعرفه لأن المنطق إنما براهينه على الكليات والكليات لا وجود لها في الخارج ولا تدل على جزء أصلا هكذا قرره المحققون العارفون بالمنطق فهذا الكلام الذي قاله هذا القائل استدللنا به على أنه لا يعرف المنطق ولا يحسنه فيلزم بمقتضى قوله أنه مشرك لأنه قال إن التوحيد متوقف على معرفته وهو لم يعرفه بعد فان قال أردت بذلك أن إيمان المقلد لا يصح وإنما يصح إيمان المستدل قلنا لم يريدوا بالمستدل على قواعد المنطق بل أرادوا مطلق الاستدلال الذي هو في طبع كل أحد حتى في طبع العجائز والأعراب والصبيان كالاستدلال بالنجوم على أن لها خالقا وبالسماء والأنهار والثمار وغيرها وهذا لا يحتاج إلى منطق ولا غيره والعوام والأجلاف كلهم مؤمنون بهذا الطريق، وقوله إن للمتكلم بكل حرف منه عشر حسنات هذا لشيء لا نعرفه إلا للقرآن الذي هو كلام الله جل جلاله فإن أراد هذا الجاهل أن يلحق المنطق الذي هو من وضع الكفار بكلام رب العالمين فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا والعجب من حكمه على الله بالباطل والإخبار بمقادير الثواب لا يتلقى إلا من صاحب النبوة عليه الصلاة والسلام، وقوله إن من لا يعلم المنطق ففتواه لا تصح يلزم عليه أن الصحابة والتابعين لم تصح فتواهم فإن المنطق إنما دخل بلاد الإسلام في حدود سنة ثمانين ومائة من الهجرة فمضى في الإسلام هذه المدة ولا وجود للمنطق فيه وقد كان في هذه المدة غالب المجتهدين من الأئمة المرجوع إليهم في امر الدين أفيظن عاقل مثل هذا الظن وقد نص الشافعي رضي الله عنه نفسه على ذم الاشتغال بالمنطق أفيقول هذا الجاهل هذه المقالة في مثل الشافعي رضي الله عنه ومن سميناهم من أئمة المذاهب الأربعة الذين دونوا الفقه وأضحوا سبل الفتاوى وهم عصمة الدين. وقول هذا الجاهل أن الغزالي ليس بفقيه يستحق عليه أن يضرب بالسياط ضربا شديدا ويحبس حبسا طويلا حتى لا يتجاسر جاهل أن يتكلم في حق أحد من أئمة الإسلام بكلمة تشعر بنقص، وقوله هذه الكلمة صادر عن جهل مفرط وقلة دين فهو من أجهل الجاهلين وأفسق الفاسقين ولقد كان الغزالي في عصره حجة الإسلام وسيد الفقهاء وله في الفقه المؤلفات الجليلة ومذهب الشافعي الآن مداره على كتبه فإنه نقح المذهب وحرره ولخصه في البسيط والوسيط والوجيز والخلاصة وكتب الشيخين إنما هي مأخوذة من كتبه، والحاصل أن هذا الرجل الذي صدرت عنه هذه المقالة رجل غلب عليه الجهل والحمق والفسق فالواجب على المحتاط لدينه أن يهجره في الله ويتخذه عدوا يبغضه فيه إلى أن تأتيه من الله قاصمة تلحقه بالغابرين. وقوله في الحشيشة من استعملها كفر لا ينكر عليه إطلاق هذه المقالة لأن مثل هذا يجوز أن يقال في معرض الزجر والتغليظ كقوله صلى الله عليه وسلم "من ترك الصلاة فقد كفر" فيكون مؤولا على المستحل أو المراد كفر النعمة لا كفر الملة فإن أراد حقيقة الكفر من غير تأويل فباطل لأن مذهب أهل السنة أن لا يكفر أحد بذنب، والعالم إذا أفتى بمثل هذه العبارة إنما يطلقها متأولا على ما ذكرنا والمجتهد لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا فالتحليل والتحريم لله وحده لا شريك له بل ولا يحدث قولا من عنده إنما وظيفته أن ينظر في أقوال من تقدمه ويختار ما قام الدليل عنده على رجحانه. مسألة: في رجل ألهمه الله طبا يداوي به المسلمين ويحصل به نفع لهم وداوى به جماعة في بلده بعشب من الأعشاب الذي ألهمه الله وحصل لهم به الشفاء فاعترض عليه جماعة حساد وأرادوا منعه من مداواة المسلمين فهل يجوز لهم ذلك أم لا والحال أن الطبيب المذكور أحضر الجماعة الذين داواهم وهم أكثر من عشرين نفرا إلى شهود المسلمين واعترفوا بحصول الشفاء على يده وكتب بذلك محضرا واتصل بحاكم وهل يثبت بهذا المحضر عدالة الطبيب وهل يجوز لهم إخراجه من البلد وهل إذا قال الطبيب ألهمت من الله هذا الدواء يسوغ لأحد الاعتراض عليه. الجواب: الالهام لا ينكر لكنه إنما يصح غالبا مع الصوفية الخلص أرباب القلوب الصافية النيرة وقد يحصل لغيرهم من آحاد المسلمين لكنه قد يصح وقد لا يصح فإن كان هذا الذي ألهم الطب من الصوفية أرباب القلوب فإنه لا يخطئ في الغالب بحسب تمكن حله وقوته، وإن كان من غيرهم فعليه توقى ذلك والرجوع إلى قانون الطب الذي تعارف الناس المداواة به وليس لأحد منعه من المداواة ما لم يظهر عليه كثرة الخطأ والأولى له في الحالين أن يبين للمداوى أنه لم يعتمد في ذلك على القانون المتعارف في الطب لينظر ذاك لنفسه ويحتاط لها لئلا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم "من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن" والمحضر المذكور لا فائدة فيه ولا يثبت به عدالة ولا يجوز إخراجه من البلد بهذا السبب. مسألة: في رجل اشتهر بوقتنا هذا بعلم التعبير وفتح عليه ونور الله بصيرته بمعرفة تفسير الرؤيا وإن كان في غيرها مزجى البضاعة فإذا قص عليه أحد رؤيا بادر إلى تفسيرها فيحمد الله تعالى ويصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم يفسرها بكلام أهل الصناعة ويستشهد عليه بأدلة من الكتاب والسنة وما وافق القواعد والمنقول في هذا الفن متبعا شروطه وآدابه في الأغلب ولم ينقل عنه مع كثرة تعبيره أنه أخطأ في شيء من ذلك خطأ فاحشا خالف فيه منقول أهل الفن هذا وقد قرأ فيه كتبا على مشايخ عصره وتفهم ظواهرها بحسب الحال وشاع نفع الناس به وقصدوه من الأمكنة البعيدة لفقد العلماء بذلك، ثم إن رجلا كبيرا من الناس قام على هذا الرجل المذكور وأنكر عليه كثرة تعبيره لكل سائل كائنا من كان وسرعة مبادرته لذلك فزجره ونهاه عن تعبير الرؤيا مطلقا قاصدا نصحه وقال له ما معناه هذا العلم تخييلات من باب الظن والحدث وهو مظنة الكذب والخطأ فلا يجوز العمل به ولا الاعتماد عليه فانزجر الرجل المذكور وكف عن تعبير الرؤيا مدة طويلة فتضرر كثير من الناس بسبب ذلك ورموه بألسنتهم وظنوا بامتناعه أن قصده به طلب الدنيا من الأكابر بسؤالهم له في ذلك واحتياجهم إليه وقد وقع في ورطة مع الناس بسبب ذلك وحصل عنده شك وارتياب في هذا العلم هل له حقيقة أو كما يقوله هذا المعترض وهل الأولى له الرجوع إلى ما كان عليه من التعبير لكل سائل إذ الحاجة والضرورة إليه أم لا، وإذا كان لم يأخذ عليه جعالة فهل يثاب عليه أم لا. الجواب: القول بأن الرؤيا وتعبيرها تخيلات لا أصل لها يكاد يخرق الإجماع فإن الكتاب والسنة طافحان باعتبار الرؤيا وتأويلها وقد ورد في الحديث أن رؤيا العبد كلام يكلمه ربه في المنام، وفي حديث آخر إن الله وكل بالرؤيا ملكا يريها للنائم، والأحاديث في ذلك ونحوه كثيرة تخرج عن حد الحصر وإنما قصر علم الناس عن كثير من المغيبات لعدم وقوفهم على السنة واشتغالهم بها وهي لا تؤخذ إلا من جهة الوحي فعدلوا عن معدنها ورجعوا إلى أقوال الحكماء والفلاسفة الجهال الضلال الذين حدسوا بأفكارهم وخمنوا فلم يقفوا على حقيقة الحال كقولهم هذا في الرؤيا وكقولهم في الطاعون والزلزلة والرعد والبرق والصواعق والقوس والمجرة والمطر والسحاب وسائر ما فوق الملكوت وما تحت الأرضين كل ذلك خاض فيه الفلاسفة قبحهم الله بالظنون الفاسدة فأتوا فيها بأشياء أكذبهم فيها صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم الموحى إليه بعلوم الأولين والآخرين، وقول المنكر فلا يجوز العمل به كلام عجيب فإن الرؤيا ليست علم عمل بل إما تبشير بخير أو تحذير من شر فأي عمل هنا، نعم التثبت مطلوب وعدم المسارعة والمبادرة وقد تكون الرؤيا صورتها واحدة ويختلف تأويلها بحسب الرائي وحاله وصفته وما اتفق له في أيام الرؤيا وقد تكون الرؤيا من أنواع الكشف الذي يحصل لأرباب الأحوال في كثير من أوقاتهم وهذه لا يليق بكل معبر تأويلها إنما يؤولها صاحب حال له معرفة بأحوال القوم، وفي جواز أخذ الجعالة على تأويل الرؤيا وقفة ويقرب الجواز لأنه ليس من الفروض والعبادات التي يمتنع أخذ الأجرة عليها ووجه التوقف كونه كلاما يقال فيشبه الاستئجار على كلمة لا تتعب ولكن الفرق أوضح وفي الثواب عليه إذا لم يأخذ أجرة وقفة أيضا والأقرب أنه لا ثواب لأنه ليس من العلوم المفروضة ولا المندوب بل من المباحات والله أعلم.
في ضرب المثل من القرآن والاقتباس
بسم الله الرحمن الرحيم مسألة: استعمال ألفاظ القرآن في المحاورات والمخاطبات والمجاوبات والإنشاءات والخطب والرسائل والمقامات مرادا بها غير المعنى الذي أريدت به في القرآن يسمى عند الصدر الأول من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة والعلماء ضرب مثل وتمثلا واستشهادا إذا كان في النثر، وقد يسمى اقتباسا بحسب اختلاف المورد فإذا كان في الشعر سمى اقتباسا لا غير فأما الأول وهو الذي في النثر سواء كان تمثلا أو اقتباسا فجائز في مذهبنا بلا خلاف عندنا نص عليه الأصحاب إجمالا وتفصيلا واستعملوه في خطبهم وإنشائهم ورسائلهم ومقاماتهم، أما النصوص فقالوا في باب الغسل انه يجوز للجنب أن يورد ألفاظ القرآن لا بقصد القرآن وقالوا في باب شروط الصلاة إن المصلي لو نطق بنظم القرآن لا بقصد القرآن بل بقصد التفهيم فقط بطلت صلاته فإن قصد القراءة والتفهيم معا لم تبطل، ولم يحكوا في المسألة خلافا قال النووي في شرح المهذب في باب الغسل ما نصه: قال أصحابنا ولو قال لإنسان خذ الكتاب بقوة ولم يقصد القرآن جاز وكذا ما أشبهه، وقال الرافعي في الشرح وأما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن فيجوز، وفي الروضة مثله، وقال الأسنوي في شرح المنهاج عند قوله ويحل إذا كان لا بقصد قرآن هذا الحكم لا يختص بأذكار القرآن بل يأتي أيضا في مواعظه وأحكامه وأخباره وغير ذلك كما دل عليه كلام الرافعي فإنه عبر بقوله أما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن فيجوز هذه عبارته وذكر مثلها في الروضة، وصرح القاضي أبو الطيب في تعليقه بالأوامر انتهى. وقال الرافعي في باب شروط الصلاة إذا أتى المصلي بشيء من نظم القرآن قاصدا به القراءة لم يضر وإن قصد مع القراءة شيئا آخر كتنبيه الإمام أو غيره والفتح على من ارتج عليه وتفهيم الأمر من الأمور مثل أن يقول لجماعة يستأذنون في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو يقول يا يحيى خذ الكتاب بقوة وما أشبه ذلك، ولا فرق بين أن يكون منتهيا في قراءته إلى تلك الآية أو ينشئ قراءتها حينئذ، وقال أبو حنيفة إذا قصد شيئا آخر سوى القراءة بطلت صلاته إلا أن يريد تنبيه الإمام والمار بين يديه وإن لم يقصد إلا الإفهام والإعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة كما لو أفهم بعبارة أخرى انتهى. وذكر مثله في الشرح الصغير والمحرر وذكر النووي مثله في الروضة وشرح المهذب والمنهاج، وإنما بدأت بنقل كلام الشيخين لأن الاعتماد الآن في الفتيا على كلامهما وإلا فالمسألة متفق عليها بين الأصحاب قال إمام الحرمين في النهاية في باب شروط الصلاة: ولو قرأ المصلي آية أو بعضا من آية فأفهم بها كلاما مثل أن يقول خذها بقوة أو يقول وقد حضر جمع فاستأذنوا ادخلوها بسلام فإن لم تخطر له قراءة القرآن ولكن جرد قصده إلى الخطاب بطلت صلاته وإن قصد القراءة ولم يخطر له إفهام أحد بحيث لو دخلوا لم يرد دخولهم من معنى قوله فلا شك أن صلاته لا تبطل، وإن قصد قراءة القرآن وقصد إفهامهم فالذي قطع به الأئمة أن الصلاة لا تبطل وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة بهذا، وقال في باب الغسل لو قال الجنب شيئا من القرآن وقصد به غير القرآن لم يعص وإن أجراه على لسانه ولم يقصد قراءة ولا غيرها فقد كان شيخي يقول لا يعصي وهذا مقطوع به انتهى. وقال البغوي في التهذيب لو قال الجنب شيئا من القرآن لا بقصد قراءة القرآن فإنه يجوز وكذلك لو تكلم بكلمة توافق نظم القرآن، وقال في باب شروط الصلاة ولو تكلم بكلام موافق نظمه نظم القرآن مثل إن دق رجل الباب قال ادخلوها بسلام أو أراد دفع كتاب فقال يا يحيى خذ الكتاب نظر إن لم يكن قصد به قراءة القرآن بطلت صلاته وإن قصد قراءة القرآن وإعلامه لا تبطل وعند أبي حنيفة تبطل، وقال الغزالي في البسيط إذا أتى الجنب بالقرآن على قصد غيره لا يعصي فإن لم يقصد لا القراءة ولا غيرها قال الشيخ أبو محمد لا يعصي لأن القصد معتبر في هذا الجنس وقال في باب شروط الصلاة إذا استأذن جمع وهو في الصلاة فقال ادخلوها بسلام أو قال خذها بقوة أو غير ذلك من خطاب الآدميين فإن قصد التفهيم دون القراءة بطلت صلاته وإن قصد القراءة دون التفهيم لم تبطل وإن قصدهما جميعا قال أصحابنا لا تبطل وقال أبو حنيفة تبطل، وقال المتولي في التتمة: الخامسة إذا نابه أمر في الصلاة فتلا آية من القرآن يحصل بها تنبيه الغير على بعض الأمور مثل إن دق الباب فقرأ قوله تعالى (ادخلوها بسلام آمنين) أو رأى إنسانا اسمه موسى يمشي بالنعل على بساطه فقرأ قوله تعالى (اخلع نعليك) فإن قصد به التنبيه تبطل الصلاة لأن هذا خطاب وافق نظم القرآن وإن قصد القراءة لا تبطل صلاته وإن تضمن ذلك تنبيها وقال أبو حنيفة تبطل، ودليلنا ما روي أن عليا رضي الله عنه كان يصلي في مسجد الكوفة فدخل عليه رجل من الخوارج فعرض به وقال لا حكم إلا لله ورسوله وقصد الإنكار حيث رضي التحكيم فتلا علي (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) فلما سلم قال كلمة حق أريد بها باطل ولو كان ذلك يبطل الصلاة لما أقدم عليه علي رضي الله عنه، ونقول الأصحاب في ذلك لا تحصى وفيما أوردناه كفاية، وقال النووي في التبيان: فصل في قراءة القرآن يراد بها الكلام ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا فروى عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يتناول القرآن لشيء يعرض من أمر الدنيا، وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سنين ثم رفع صوته وهذا البلد الأمين، وعن حكيم - بضم الحاء - بن سعد أن رجلا من المحكمة أتى عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح فقال لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأجابه علي وهو في الصلاة فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، قال أصحابنا إذا استأذن إنسان على المصلي فقال المصلي ادخلوها بسلام آمين فإن أراد التلاوة أو التلاوة والإعلام لم تبطل صلاته وإن أراد الإعلام أو لم تحضره نية بطلت صلاته انتهى كلام النووي في التبيان. فانظر كيف أخذ حكم المسألة مما ذكره الأصحاب في المصلي والأثر المذكور عن علي أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في سننه وترجم عليه باب ما يجوز من قراءة القرآن في الصلاة يريد به جوابا أو تنبيها.
من استعمل ذلك من الصحابة والتابعين ذكر من استعمل ذلك من الصحابة والتابعين غير من تقدم ذكره: -أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي في دلائل النبوة عن الشعبي قال لما سلم الحسن بن علي الأمر إلى معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أكيس الكيس التقى وإن أعجز العجز الفجور ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية لا امرؤ كان أحق به مني وهو حق لي تركته إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها بلغها قتل عثمان فقالت قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله، في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في قصة الإفك وإني لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، ومن هنا سمى العلماء استعمال ذلك ضرب مثل وتمثلا وكذا من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر حين استشارهما في أسرى بدر مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم حيث قال فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح حيث قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، وفي رواية إن مثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم وإن مثلك يا عمر مثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فمن هذا وأمثاله أطلق السلف والخلف على ذلك ضرب مثل.
ما ورد في الحديث المرفوع من استعمال ما نحن فيه وقد ورد في الحديث المرفوع استعمال ما نحن فيه وكفى به حجة: -أخرج الترمذي وحسنه عن أبي حاتم المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وقد سبقني إلى الاحتجاج بهذا الحديث على التمثل بنظم القرآن الحافظ أبو بكر ابن مردويه حيث أورد هذا الحديث في تفسيره عند قوله تعالى في آخر سورة الأنفال إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وأخرجه أيضا من حديث أبي هريرة، وفيه حجة لأمر آخر وهو أنه يجوز تغيير بعض النظم بإبدال كلمة بأخرى وبزيادة ونقص كما يفعله أهل الإنشاء كثيرا لأنه لا يقصد به التلاوة ولا القراءة ولا إيراد النظم على أنه قرآن، ومن الأحاديث التي يستدل بها لجواز ذلك ما أخرجه مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى خيبر فجاءها ليلا فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، قال بعضهم هذا الحديث من أدلة الاقتباس وقال ابن عبد البر في التمهيد في هذا الحديث جواز الاستشهاد بالقرآن فيما يحسن ويجمل وذكر ابن رشيق مثله في شرح الموطأ وهما مالكيان وقال النووي في شرح مسلم في الحديث جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة وقد جاء لهذا نظائر كثيرة كما ورد في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم جعل يطعن في الأصنام ويقول جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد جاء الحق وزهق الباطل، قالوا وإنما يكره ضرب الأمثال من القرآن في المزح ولغو الحديث فيكره، وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد ابن أبي وقاص قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل وقعيس بن ضبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فذكر الحديث إلى أن قال وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد الثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال أما فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا، وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت كتب أبي في وصيته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر ويتقي الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وأخرج ابن أبي شيبة عن بكر قال لما انتهى الربيع بن خيثم إلى مسجد قومه قالوا له يا ربيع لو قعدت لتحدثنا اليوم فقعد فجاء حجر فشجه فقال فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال آمنت بالذي خلقك فسواك فعدلك، وأخرج البخاري عن هذيل بن شرحبيل قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت قال للابنة النصف وللأخت النصف وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وأخرج ابن سعد في طبقاته عن فروة بن نوفل الأشجعي قال قال ابن مسعود إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فقلت غلط أبو عبد الرحمن إنما قال الله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فأعادها على فقال ان معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فقلت إنه تعمد الأمر تعمدا فسكت فقال أتدري ما الأمة وما القانت قلت الله أعلم فقال الأمة الذي يعلم الناس الخير والقانت المطيع لله ولرسوله وكذلك كان معاذ كان يعلم الناس الخير وكان مطيعا لله ولرسوله، وأخرج ابن سعد عن مسروق قال كنا عند ابن مسعود فقال إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله 0حنيفا ولم يك من المشركين فقال فروة بن نوفل نسي أبو عبد الرحمن إبراهيم تعني قال وهل سمعتني ذكرت إبراهيم، الأمة الذي يعلم الناس الخير والقانت الذي يطيع الله ورسوله، وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن عبد الله بن مسعود أنه أتى مكة فمر بأعرابي وهو يصلي وهو يقول نحج بيت ربنا في كلام له فقال عبد الله ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق، واخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن أبي ليلى الكندي قال أشرف عثمان على الناس من داره وقد أحاطوا به فقال يا قوم لا يجرمنك شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد يا قوم لا تقتلوني إنكم إن تقتلوني كنتم هكذا وشبك بين أصابعه، وأخرج الشافعي في الأم عن عروة قال كان أبو حذيفة بن اليمان شيخا كبيرا فخرج يوم أحد يتعرض للشهادة فابتدره المسلمون فتواشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول أبى أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بديته، وأخرج الشافعي عن المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك فقال قد فعلت قال فقرا ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا أمسك عليك امرأتك فإن الواحد ثبت، وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن هشام بن عروة قال أتى عمر بن عبد العزيز بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وأخرج بن أبي شيبة عن أم راشد قالت كنت عند أم هانئ فسمعت رجلين يقولان بايعته أيدينا ولم تبايعه قلوبنا فذكرت ذلك لعلي فقال علي من نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما، وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال من أدرك ذلك الزمان فلا يطعنن برمح ولا يضرب بسيف ولا يرم بحجر واصبر فإن العاقبة للمتقين، وأخرج الزجاجي في أماليه عن جويرية بنت أسماء قال قدم عمر بن الخطاب مكة فوضع الدرة بين أذني أبي سفيان وضرب رأسه فجاءت هند فقالت أتضربه فو الله لرب يوم لو ضربته لأقشعر بك بطن مكة فقال عمر أجل والله جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، وأخرج ابن عساكر عن محمد بن عبد الملك قال سمع عبد الله بن مسعود أعرابيا ينادي بالصلاة فأتاه ابن مسعود فقرا بأم القرآن ثم قال نجح بيت ربنا ونقضي الدين وهن يهوين بنا بخطرات يهوين قال ابن مسعود ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلاَّ اختلاق، وأخرج الطبراني من طريق قتادة عن أنس عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صبح خيبر تلا هذه الآية إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، وأخرج ابن سعد في طبقاته عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر بن الخطاب لما طعن عليه ملحفة صفراء قد وضعها على جرحه وهو يقول وكان أمر الله قدرا مقدورا، وأخرج ابن سعد عن عمرو بن ميمون أن عمر لما طعن دخل عليه كعب فقال الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قد أنباتك أنك شهيد فقلت من أين لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب، وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن رافع قال طعن ابنا معاذ ابن جبل فقال معاذ كيف تجدانكما قالا يا أبانا الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قال وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين، وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي جعفر قال: قال علي بن أبي طالب للحسن قم فاخطب الناس يا حسن. قال أني أهابك أن أخطب وأنا أراك فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه فقام الحسن فخطب ثم نزل فقال على ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، وأخرج ابن سعد عن عمر بن الحكم أن أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص تكلما فقال أبو موسى لعمرو إنما مثلك كالكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقال له عمرو إنما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا، وأخرج ابن سعد عن ابن أبي مليكة قال سمعت جابر بن عبد الله يقول لعبيد بن عمير كيف أنت يا ليثي قال بخير على ظهور عدونا علينا فقال جابر ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، وأخرج أحمد في مسنده عن سلمان الفارسي أنه قيل له ما كان بينك وبين حذيفة قال وكان الإنسان عجولا، وأخرج أحمد عن أبي الدرداء أنه بلغه أن أبا ذر أخرج إلى الربذة فاسترجع قريبا من عشر مرات ثم قال فارتقبهم واصطبر كما قيل لأصحاب الناقة اللهم أن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه وان اتهموه فإني لا أتهمه والذي نفسي بيده لو أن أبا ذر قطع يمنى ما أبغضته بعد الذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأخرج ابن سعد عن عمارة بن أبي حفصة أن عمر بن عبد العزيز قيل له في مرضه من توصي بأهلك فقال: إن ولي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن هبيرة ابن خزيمة قال: قال الربيع بن خيثم حين قتل الحسين اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن الزبير لعبيد بن عمير كلم هؤلاء لأهل الشام رجاء أن يردهم ذاك فسمع ذلك الحجاج فأرسل إليهم ارفعوا أصواتكم فلا تسمعوا منه شيئا فقال عبيد ويحكم لا تكونوا كالذين قالوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي يعلى قال كان الربيع بن خيثم إذا مر بالمجلس يقول قولوا خيرا افعلوا خيرا وداوموا على صالحة ولا تقسوا قلوبكم ولا يتطاول عليكم الأمد ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق انه قدم فأتاه أهل الكوفة وناس من التجار فجعلوا يثنون عليه ويقولون جزاك الله خيرا ما كان أعفك عن أموالنا فقرأ هذه الآية أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا وكان يقرأها كذلك، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن قتادة أن عبد الله بن غالب كان يقص في المسجد الجامع فمر عليه الحسن فقال يا عبد الله لقد شققت علي أصحابك فقال ما أرى عيونهم انفقأت ولا أرى ظهورهم اندقت والله يأمرنا يا حسن أن نذكره كثيرا وتأمرنا أن نذكره قليلا كلا لا تطعه واسجد واقترب فقال الحسن والله ما أدري أسجد أم لا، وأخرج أبو نعيم عن عون العبدي أن الحجاج لما أمر بقتل سعيد بن جبير قال سعيد بن جبير وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين فقال الحجاج شدوا به لغير القبلة فقال سعيد فأينما تولوا فثم وجه الله فقال الحجاج كبوه لوجهه فقال سعيد منها خلقناكم وفيها نعيدكم، وأخرج أبو نعيم عن سالم بن أبي حفصة قال لما أتى سعيد ابن جبير الحجاج قال لأقتلنك قال دعوني أصلي ركعتين قال وجهوه إلى قبلة النصارى قال أينما تولوا فثم وجه الله إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا، وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الكريم قال كان عمر بن عبد العزيز إذا دخل بيتا قال بسم الله والحمد لله ولا قوة إلا بالله والسلام على نبي الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن واسع قال قدمت من مكة فانطلق بي إلى مروان بن المهلب وهو أمير على البصرة فرحب بي فقلت إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي قال ومن أخو بن عدي قلت العلاء بن زياد استعمل صديق له مرة على عمل فكتب إليه أما بعد فإن استطعت أن لا تبيت إلا وظهرك خفيف وبطنك خميص وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم فإنك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق قال مروان صدق والله ونصح.
ما وقع للإمام مالك رضي الله عنه من ذلك ذكر ما وقع للإمام مالك رضي الله عنه من ذلك: أخرج الخطيب البغدادي وغيره عن سعيد بن بشير بن ذكوان قال كان مالك بن أنس إذا سئل عن مسألة يظن أن صاحبها غير متعلم وأنه يريد المغالطة يقول وللبسنا عليهم ما يلبسون.
ما وقع للإمام الشافعي رضي الله عنه من ذلك ذكر ما وقع للإمام الشافعي رضي الله عنه من ذلك: رأيت في تاريخ من دخل مصر للحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري في ترجمة التاج الأرموي تلميذ الإمام فخر الدين الرازي ومصنف الحاصل مختصر المحصول في الأصول ما نصه: أملي على الإمام تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي بالقاهرة نسخة كتاب شاهده بمدينة ساوة في الخزانة الموضوعة في جامعها بخط الإمام الشافعي رضي الله عنه كتبه إلى صاحب مكة شفاعة في الحاج وهذه عبارة الإمام إني مهد إليك يا سيد البطحاء كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء وأنا أتشفع إليك في ضعفاء الحاج من ركب الريح ومضغة الشيح. كتبه محمد بن إدريس بن شافع وكان التاريخ مذكورا فأنسيته انتهى.
ما وقع لحجة الإسلام الغزالي من استعمال ذلك ذكر ما وقع لحجة الإسلام الغزالي من استعمال ذلك: قال في أول كتابه المسمى بالانتصار لما في الإحياء من الأسرار ما نصه: سألت يسرك الله لمراتب العلم تصعد مراقيها وقرب لك مقامات الولاية تحل معاليها عن بعض ما وقع في الإملاء الملقب بالأحياء مما أشكل على من حجب فهمه وقصر علمه ولم يفز بشيء من الحظوظ الملكية قدحه وسهمه وأظهرت التحزن لما غاش به شركاء الطغام وأمثال الأنعام وأتباع الأعوام وسفهاء الأحلام وعار أهل الإسلام حتى طعنوا عليه ونهوا عن قراءاته ومطالعته وأفتوا بمجرد الهوى على غير بصيرة بإطراحه ومنابذته ونسبوا ممليه إلى ضلال وإضلال ونبزوا قراءه ومنتحليه بزيغ في الشريعة واختلال فإلى الله انصرافهم ومآلهم وعليه في العرض الأكبر إيقافهم وحسابهم فستكتب شهادتهم ويسألون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولكن الظالمين في شقاق بعيد ولا عجب فقد ثوى أدلاء الطريق وذهب أرباب التحقيق فلم يبق في الغالب إلا أهل الزور والفسوق إلى أن قال حجبوا عن الحقيقة بأربعة الجهل والإصرار ومحبة الدنيا والإظهار والله من ورائهم محيط وهو على كل شيء شهيد فكان قد جمع الخلائق في صعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد فأعرض عن الجاهلين ولا تطع كل أفاك أثيم وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة فاصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون هذا نص الغزالي بحروفه.
ما جرى بين ابن الصلاح والعز بن عبد السلام وقد وقع في دمشق أن الشيخ تقي الدين ابن الصلاح أفتى بالمنع من صلاة الرغائب ثم لما قدم الشيخ عز الدين بن عبد السلام أفتى بالمنع منها فعارضه ابن الصلاح ورجع عما أفتى به أولا وألف كراسة في الرد عليه وضرب له المثل بقوله تعالى (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) فألف الشيخ عز الدين كراسة في الرد على ابن الصلاح وقال فيها وأما ضربه لي المثل بقوله تعالى (أرأيت الذي ينهى عبدا إلى صلى) فأنا إنما نهيت عن شيء نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكى ذلك أبو شامة في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث وقال إن الناس ضربوا لابن الصلاح المثل بقول عائشة في حق سعد بن عبادة وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، ويشبه هذا ما ورد عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يرى صلاة النافلة قبل صلاة العيد وأنه دخل مسجد الكوفة يوم العيد فرأى قوما يصلون فلم ينههم فقال له من معه ألا تنهاهم فقال لا أكون ممن نهى عبدا إذا صلى، وعن مالك ابن أنس أنه أمر بصلاة في وقت كراهة فقام فصلى فقيل له في ذلك فقال لا أكون ممن إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. (فصل) عد علماء البلاغة هذا الأمر شرطا من شروط الإنشاء، قال ابن الأثير في كتابه المثل السائر: يفتقر صاحب هذا الفن إلى ثمانية أنواع من الآلات: الأول معرفة العربية من النحو والتصريف، الثاني معرفة اللغة، الثالث معرفة أمثال العرب وأيامهم ومعرفة الوقائع التي جاءت في حوادث خاصة بأقوام فإن ذلك يجري مجرى الأمثال، الرابع الإطلاع على تأليفات من تقدمه من أرباب هذه الصناعة المنظوم منه والمنثور والتحفظ للكثير منه، الخامس معرفة الأحكام السلطانية، السادس حفظ القرآن الكريم والتدرب باستعماله وإدراجه في مطاوى كلامه، السابع حفظ ما يحتاج إليه من الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلوك بها مسلك القرآن الكريم في الاستعمال انتهى. وقد أطبق أرباب الفن على اشتراط ذلك واستعماله في مطاوي الخطب والرسائل والمقامات ونحو ذلك وفيهم أئمة فقهاء كبار ومحدثون وزهاد وورعون، وقد ألف الحرير صاحب المقامات كتابا سماه توشيح البيان بالملتقط من القرآن قال فيه أما بعد فإنك أشرت أيها الحبر البر إلى أن ألتقط لك من القرآن الذي أخرس الفصحاء وأفحم البلغاء ما يوشح به المتمثل لفظه والواعظ وعظه والكاتب كتبه والخاطب خطبه فامتثلت أمرك بالانقياد مع الاعتراف بقصور شاو الارتياد عن استغراق هذا المراد والانتهاء إلى جوامع المواد إذ كانت أسرار القرآن لا يدرك غورها وعجائبه لا يزال ينمي نورها ونورها إلى أن قال وها أنا قد جمعت لك من هذا النمط والدر الملتقط ما رجوت أن يجمع بين رضا الباري وارتضاء القارئ.
ما استعمله الشيخ تاج الدين السبكي ذكر ما استعمله الشيخ تاج الدين السبكي في خطبة كتاب الأشباه والنظائر من تضمين الآيات والأحاديث: قال: فمنهم أو كلهم من أحب حب الخير وسار على منهاجه أحسن سير - إلى أن قال: وسيد هذه الطائفة أبو بكر بن الحداد تقدم هذه الفرقة تقدم النص على القياس وسبق وهي تناديه ما في وقوفك ساعة من باس وتصدر ولو عورض لقال لسان الحال الحق مروا أبا بكر فليصل بالناس - إلى أن قال: وأنفق من خزائن علمه ولم يخش من ذي العرش إقلالا هكذا. هكذا وإلا فلا لا- إلى أن قال: وجاء هذا الكتاب على وفق مطلوبه كاملا في أسلوبه شاملا للفضل بعيده وقريبه شفاء لما في الصدور ووفاء لما للعلم في ذمة بني الدهور - إلى أن قال: وحررته في الدجى بشهادة النجوم ولاقيت عسره بهمة نبذت سهيلا بالعراء وهو مذموم - إلى أن قال: وراح الفقيه المستفيد يبدي ويعيد ولا مزيد على تحقيقه وينفق سوقه فلا يجد من يسكع في ظلام الشبهات غير صبح فضله استغلظ فاستوى على سوقه وكمل كتابا طبخ قلوب الحاسدين لما استوى وسحابا لا تغير معه الأغراض الأموية قائلة لا نبرح نحن ولا أنت مكانا سوى- إلى أن قال: ولا آمن طائفة تطوف على محاسنه فتأخذها وتدعيها وتدخل وتخرج وليت لها أذنا واعية فتعيها وتسرح في روضه فتجنى على مصنفه وتجني كل زهر وتسرق ثمره وتقول لا قطع في ثمر ولا كثر- إلى أن قال: لعب بها شيطان الحسد وشد وثاقها الذي لا يوثق به بجعل من مسد.
ما استعمله الشيخ بهاء الدين السبكي من ذلك ذكر ما استعمله الشيخ بهاء الدين السبكي من ذلك في خطبة كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح: قال: تشتمل على جناس القلب فتسكن بمد النصر لهبا يرمي بشرر كالقصر إذا التفت الساق بالساق واشتد كرب ذلك اللف والنشر إلى أن قال وردوا مناهل هذا العلم فصدروا عنها بملء سجلهم وكيف لا وقد أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم- إلى أن قال أولى له فأولى أن يعطي القوس باريها كأنما ضرب بينه وبين العلم بسور من الشدائد وقيل ارجع وراءك فالتمس نورا إنما أنت تضرب في حديد بارد ولو أوتي رشده لأنف أن يسخر منه الساخر واغترف من هذا البحر الزاجر واعترف بأنه الذي يلتقط منه جواهر المفاخر وترى الفلك فيه بشراع العلم مواخر.
ما استعمله العلامة زين الدين ابن الوردي ذكر ما استعمله العلامة زين الدين بن الوردي في مقامته الحرقة للخرقة: من ذلك قال: أسقط في يوم مشهود تسعة من أعيان الشهود فلولا نفر من كل فرقة من يذم هذا للبراز الجري على تخريق الخرقة- إلى أن قال: سطوة وعتوا واستكبارا في الأرض وعلوا وخوفا على الدرهم والدينار بل مكر الليل والنهار- إلى أن قال: وقالوا كبرت كلمة واستحلوا نسبه وشتمه- إلى أن قال: فأقسموا بالله جهد إيمانهم أن ذلك لم يكن في أديانهم- إلى أن قال: لقد بالغ في الختل والفتنة أشد من القتل- إلى أن قال: ما أولى أحكامه بالانتقاض وما أحقه بقول السحرة لفرعون فاقض ما أنت قاض ولولا العافية لتوهمت أن ما ها هنا نافيه - إلى أن قال: فكم صاحب مكتوب يبكي على حاله كأنما أوتي كتابه بشماله- إلى أن قال: اذهب حب الذهب ودهن ذهنه وأفتى كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى - إلى أن قال: فلا قوة لنا من جمرته ولا حول لا يحب الله الجهر بالسوء من القول- إلى أن قال: سكر بخمر الولاية إن في ذلك لآية - إلى أن قال شعرا: جرحت الأبرياء فأنت قاض *** على الأعراض بالأغراض ضار ألم تعلم بأن الله عدل *** ويعلم ما جرحتم بالنهار إلى أن قال: لقد غاظني عامي يعلو بنفسه والعامة عمى أفنجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدما- إلى أن قال: خذوه فغلوه فأنا نخاف أن يقتلوه واحسموا مادة هذا الكذاب المبير إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وقال ابن الوردي أيضا في مقامة الطاعون: وقهر خلفا بالقاهرة وتنبهت عينه لمصر فإذا هم بالساهرة. وقال أيضا في منطق الطير في البازوحنت الجوارح إلي وبعث إلى الطير فإذا هم بالساهرة من عيني- إلى أن قال في الحمامة: حملت الأمانة التي أبت الجبال عن حملها وامتثلت مرسوم أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فمهما حدث على البعد من أخصامك أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك - إلى أن قال في البنفسج: فأنا في الحالين مستطاب ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب- إلى أن قال في البوم: ألم تر ما بالحيوان يفعلون فمنها ركوبهم ومنها يأكلون أتدري من يرزق البوم الله لا إله إلا هو الحي القيوم فلا تغتر بما إدراكه فوت كل نفس ذائقة الموت- إلى أن قال في المنثور: وفي اختلاف صبغتي واتحاد طينتي دليل على وحدانية جبلتي الذي خلق الإنسان من مضغة صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة- إلى أن قال في الريحان: اعتدل لوني ولطف كوني وما أبرئ نفسي إذ كان النمام من جنسي وأرجو أن يكون للتوبة منتهيا وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا- إلى أن قال في الخفاش: وبالليل أكشف الغطا إن ناشئة الليل هو أشد وطأ- إلى أن قال في الديك: أنا قد أذنت فأقمت الصلاة ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله أنهاكم عن معصية الله بخروج الوقت فلا تعصوه والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه كم منحت أهل الدار إخائي وولائي وهم يذبحون أبنائي ويستحيون نسائي- إلى أن قال: ومزقوا قباءه الملون فاصبر واحتسب تماما على الذي أحسن- إلى أن قال في الخزامى: وأهين بالدوس واللمس وشروه بثمن بخس إلى أن قال في البط: فما هو بماش على الماء إليه ولا طائر يطير بجناحيه- إلى أن قال في النمل: أتدري من أعطى النمل هذى القوى فالق الحب والنوى- إلى أن قال: فانتفخ الشقيق في عروقه فاستغلظ فاستوى على سوقه- إلى أن قال: فسرت سر سير ولباس التقوى ذلك خير لا تكن كالمنافقين الذين بطن كفرهم وظهر إسلامهم وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم- إلى أن قال: أما أنت أيها الفراش فلا تتبع الهوى ولا تكذب في الدعوى- إلى أن قال: فتلقى نفسك فيها غرورا وتحسب النار نورا فتدعو ثبورا وتصلى سعيرا- إلى أن قال: فإن كنتم من النسكة فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بلى من أراد الفخار بشهادة اثنين إذ هما في الغار- إلى أن قال: نحن من الموت على يقين قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين إلى أن قال: أفي كتاب منزل رأيتموها أم عن نبي مرسل تلقيتموها إن هي إلا أسماء سميتموها- إلى أن قال: تحسدني على سواد الثياب وقال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب- إلى أن قال: فلو صحت حتى تنشق وجاءت سكرة الموت بالحق- إلى أن قال: وهون الأشياء ولا تنس نصيبك من الدنيا. وقال ابن الوردي أيضا في مفتتح كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب: الحمد لله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب عالم الغيب راحم الشيب منزل الكتاب- إلى أن قال: ساطح الغبراء على متن الماء فيمسكه بحكمته عن الاضطراب منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم يوم الحشر والمآب. وقال ابن الوردي أيضا في مفاخرة السيف والقلم: فقال القلم بسم الله مجراها ومرساها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها- إلى أن قال: بسم الله الخافض الرافع وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع- إلى أن قال: الجنة تحت ظلاله ولاسيما حين يسل فتري ودق الدم يخرج من خلاله ما هو كالقلم المشبه بقوم عروا عن لبوسهم ثم نكسوا على رؤوسهم فكأن السيف خلق من ماء دافق أو كوكب راشق- إلى أن قال: قال القلم أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين يفاخر وهو قائم عن الشمال الجالس عن اليمين- إلى أن قال: أنت للرهب وأنا للرغب 0وإذا كان بصرك حديدا فبصري ما ذهب- إلى أن قال: فطالما أمرت بعض فراخي وهي السكين فأصبحت من النفاثات في عقدك يا مسكين- إلى أن قال: تفصل ما لا يفصل وتقطع ما أمر الله به أن يوصل لا جرم سمر السيف وصقل قفاه وسقي ماءا حميما فقطع امعاه- إلى أن قال: أنا من مازج من نار والقلم من صلصال كالفخار- إلى أن قال: فتلا ذو القلم لقلمه إنا أعطيناك الكوثر فتلا صاحب السيف لسيفه فصل لربك وانحر فتلا ذو القلم لقلمه إن شانئك هو الأبتر قال القلم أما وكتابي المسطور وبيتي المعمور- إلى أن قال: مع أني ما ألوتك نصحا أفنضرب عنكم الذكر صفحا.
نقول عن علماء في هذا الباب وقال القاضي عياض في خطبة كتاب الشفا وكذب به وصدف عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتما ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، وقال أيضا حملتني من ذلك أمرا إمرا وأرهقتني فيما ندبتني إليه عسرا. وقال الخطيب ابن نباته القديم في خطبة له فيا أيها الغفلة المطرقون أما أنتم بهذا الحديث مصدقون مالكم لا تشفقون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون. وقال عبد المؤمن الأصفهاني صاحب أطباق الذهب في الوعظ فمن عاين تلون الليل والنهار لا يغتر بدهره ومن علم أن الثرى مضجعه لا يمرح على ظهره فيا قوم لا تركضوا خيل الخيلاء في ميدان العرض أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض. وقال العماد الكاتب في كتاب فتح بيت المقدس والبلاد الشامية واستخلاصها من يد الفرنج على يد السلطان صلاح الدين بن أيوب: والفرق بين فتوح الشام في هذا العصر وبين فتوحه في أول الأمر فرق يتبين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر- إلى أن قال والشام الآن قد فتح حيث الإسلام قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا وهريق شبابه وقد عاد غريبا كما بدأ غريبا وطال الأمد على القلوب فقست ورانت الفتن على البصائر فطمست وعرض هذا الأدنى قد أعمى وأصم حبه ومتاع هذه الحياة القليل قد شغل عن الحظ الجزيل في الآخرة كسبه وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون وأمدهم في طغيانهم يعمهون- إلى أن قال فكل معاد معادي إلا هذا المعاد وكل مداد يكتب به أسود إلا هذا المداد أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون إلى أن قال فساروا مدججين وسروا مدلجين وصبحوا صفورته وساء صباح المنذرين. وقال الإمام ضياء الدين ابن الأثير في رسالة: وعباد الله الصالحون إذا حلوا بأرض أمنت وسكنت وأخذت زخرفا وازينت. وقال في رسالة أخرى وقلما ولى امرؤ قوما فشكروا اثر مقامه وتألموا لفقد أيامه إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وقال في تقليد حسنه فابدأوا أولا بالنظر في العقائد وأهد فيها إلى سبيل الفرقة الناجية الذي هو سبيل واحد وتلك الفرقة هي السلف الصالح الذين لزموا موطن الحق فأقاموا وقالوا ربنا الله ثم استقاموا ومن عداهم فشعب كانوا ديانا وعبدوا من الأهواء أوثانا واتبعوا ما لم ينزل الله به سلطانا ولو نشاء لأرينا كهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول- إلى أن قال فخذهم بآلة التعزير التي هي نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى- إلى أن قال وأما التسعير فإنه وأن آثره القاطنون وحكم به القاسطون قيل أن ذلك لمصلحة الفقير في تيسير العسير فليس لأحد أن يكون ندا لله في خفض ما رفع وبذل ما منع فقف أنت حيث أوقفك حكم الحق ودع ما يعن لك من مصلحة الخلق ولا تكن ممن تبع الرأي والنظر وترك الآية والخبر فحكمة الله مطوية فيما يأمر به على ألسنة رسله وليست مما يستنبطه ذو العلم بعلمه ولا يستدل عليه ذو العقل بعقله ولو كان من عند الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وقال في رسالة تشفع إلى الخليفة وحباه من عمر الزمان بعقد ألف ومن خلقه بعقيدة الألف وجعل عقبه كلمة باقية إذا أصبحت الأعقاب كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف- إلى أن قال هو يرجو أن لا يكون في رجائه هذا من الخائبين وأن يقال له أقبل ولا تخف إنك من الآمنين وليس هنا إلا عفو أمير المؤمنين الذي لا يحتاج إلى سفير وفيه يصح ويعفو عن كثير. وقال في رسالة أخرى عن الملك الظاهر غازي إلى الخليفة الناصر ولما بلغ الخادم محضرة قال أني نذرت للرحمن صوما وعد يومه بالدهر كله وإن كان في الأيام يوما. وقال في رسالة أخرى فعبقت الأسماع بهذا الخبر الأريج واهتزت له الآمال وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. وقال في رسالة أخرى فأصبحت يدي حمالة الحطب وأصبح خاطري أبا جهل بعد أن كان أبا لهب. وقال في رسالة أخرى ومحاهم الخطب ولم يكن الخطب بمريب وكان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب. وقال في رسالة أخرى فظن في سورة قوة الاحتماء وقال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. وقال في أخرى وعند ذلك عمد العبد إلى ما أميت به من عدل فجعله حباء منشورا وقدم إلى ما عمل بها من عمل فجعله هباء منثورا- إلى أن قال تبعتهم على ذلك وكابد أسباب منها آيات محكمات هن أم الكتاب- إلى أن قال ويرجو العبد أن تكون ولايته هذه ولاية بر والطاف وأن يرزق الله الناس أعواما سمانا يأكلن ما تقدم من العجاف وأن يكون ممن أصاب الله به قوما إذا هم يستبشرون وأن يجعل عامه هو العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ولقد وجد من ألطاف الله مرة بعد أخرى ما يقال معه أن في ذلك لذكرى فما يريه من آية إلا هي أكبر من أختها مقاما وكذلك يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما. وقال البيضاوي في أول تفسيره الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا- إلى أن قال ثم بين الناس ما نزل إليهم حسبما عن لهم من مصالحهم ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب تذكيرا- إلى أن قال ومهد لهم قواعد الأحكام وأوضاعها من نصوص الآيات وألماعها ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا فمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد فهو في الدارين حميد وسعيد ومن لم يرفع إليه رأسه وأطفأ نبراسه يعش ذميما ويصلى سعيرا. وقال ابن المنير في الانتصاف في مسألة رد فيها على الزمخشري ما نصه: ولو نظر بعين الإنصاف إلى جهالة القدرية وضلالها لانبعث إلى حدائق السنة وظلالها ولتزحزح عن مزالق البدعة ومزالها ولكن كره الله إنبعاثهم ليعلم أي الفريقين أحق بالأمن والدخول في العلم. وقال ابن دقيق العيد في خطبة كتابه الإلمام: ولم يكن ذلك مانعا لي من وصل ماضيه بالمستقبل ولا موجبا لأن أقطع ما أمر الله به أن يوصل. وقال ابن الساعاتي من أئمة الحنفية في شرح كتابه مجمع البحرين فكانت حالة عجزت البلغاء عن نعتها ونطقت بها ألسن طالت مدة صمتها وما ينعم الله بنعمة إلا وهي أكبر من أختها. وقال الشيخ جمال الدين الأسنوي في خطبه المهمات: وإذا تأمل المنصف هذا التصنيف وأمعن النظر في هذا التأليف حكم أنه لنظم الكتابين كالقوافي وأن هذا الثالث هو ثالث الأثافي وربما تأمله بعض أبناء الوقت ممن أدركه الخزي والمقت واتخذ إلهه هواه وشيطانه مولاه وألبسه الله رداء الحسد وسربال الشقاوة وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فنظر إليه بطرف خفي وصم عن إدراك ما فيه وعمى كما وقع في الكتاب الأول الموضوع لبعض هذه الأنواع المسمى بالجواهر فلم يكن ذلك مانعا أن اشفع بالثاني الأول ولا قاطعا ما أمر الله به أن يوصل. (فصل) ومن أكثر الناس استعمالا لذلك الصوفية وقد يسمى ضرب مثل وقد يسمى إشارة بحسب اختلاف المورد، وكتبهم مشحونة بذلك ومحاوراتهم ومخاطباتهم حتى ذكروا أن منهم من أقام برهة لا يتكلم ولا يخاطب أحدا إلا من القرآن، وممن حكى عنه استعمال ذلك في محاوراته الجنيد والسرى ومعروف الكرخي والشبلي، حضر شيخ من الصوفية سماعا فحصل لبعض المريدين وجد فأراد أن يقوم فقال له الشيخ الذي يراك حين تقوم فسكن عن القيام، ودخل آخر على جماعة وهم سكوت فقال ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون، ودخل رجل على بعض الأولياء فاستحقره في عينه فقال: سرا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فاطلع الولي على ذلك بطريق الكشف فقال له يا فلان أقرأ ما بعدها. وفي لطائف المنن للشيخ تاج الدين بن عطاء الله قال الجنيد التصديق بعلمنا هذا ولاية وإذا فاتتك المنة في نفسك فلا يفتك أن تصدق بها في غيرك فإن لم يصبها وابل فطل. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي في حزبه المشهور نسألك العصمة في الحركات والسكنات والإرادات والخطرات من الشكوك والظنون والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب فقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ليقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في الحكم ما أرادت همم سالك أن تقف عندما كشفت لها ونادتها هواتف الحقيقة الذي تطلب أمامك ولا تبرجت ظواهر المكنونات الا نادتك به حقائقها إنما نحن فتنة فلا تكفر، وقال لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحا يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون وأن إلى ربك المنتهى وقال لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها برزت من الله إليك قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وقال: قوم أقامهم الحق لخدمته وقوم اختصهم بمحبته كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا، وقال ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا، وقال الحقائق لا ترد في حال التجلي مجملة وبعد الوعي يكون البيان فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه متى وردت الواردات الإلهية إليك هدت العوائد عليك أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وقال الوارد يأتي من حضرة قهار لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وقال بل دخلوا إلى ذلك بالله ولله ومن الله وإلى الله وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ليكون نظري إلى حولك وقوتك إذا أدخلتني واستسلامي وانقيادي إليك إذا أخرجتني واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا تنصرني وتنصر بي، وقال السلفي في بعض أحزابه سمعت أبا محمد جعفر بن أحمد بن الحسين بن السراج النحوي ببغداد يقول رأيت على أبي الحسن القزويني الزاهد ثوبا رفيعا لينا فخطر ببالي كيف مثله في زهده يلبس مثل هذا فقال في الحال بعد أن نظر إلى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قال وحضرنا عنده يوما لقراءة الحديث فتمادى بنا الوقت إلى أن وصلت إلينا الشمس وتأذينا بحرها فقلت في نفسي لو تحول الشيخ إلى الظل فقال والله في الحال: قل نار جهنم أشد حرا. (فصل) ومن مصطلح أهل فن البلاغة أن يصدروا إنشاءاتهم بآية من القرآن الكريم فيها مناسبة لما هم بصدده ويوردوها بعد البسملة من غير تصدير يقال الله تعالى أو نحوه لتكون البسملة ملاصقة للآية من غير فاصل، أنشأ الشهاب بن فضل الله صورة مبايعة للخليفة الحاكم بن المستكفي العباسي أورد صدرها: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله إلى آخر الآية وقرئ ذلك بحضرة القضاة الأربعة ومشايخ الإسلام والدين بالديار المصرية وكانوا جما غفيرا وعددا كثيرا فما منهم من أبدى لذلك نكيرا وذلك في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. وأنشأ الجمال اليعموزي كتاب بشارة بخلاص دمياط من الفرنج بحضرة الشيخ عز الدين بن عبد السلام وأرسله إلى بغداد لحضرة الخليفة أورد صدره: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. وأنشأ ابن الأثير كتابا عن زعيم الموصل إلى صدر الدين شيخ الشيوخ ببغداد يبشره بعود مملكته إليه أورد صدره: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، وأنشأ تقليدا لقاضي القضاة بالديار المصرية أورد صدره: رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي أني تبت إليك وإني من المسلمين، وأنشأ أيضا رسالة في رجل غضب عليه الخليفة أورد صدرها ولا تسال عن أصحاب الجحيم. وأنشأ الحافظ فتح الدين بن سيد الناس رسالة في صلح بين طائفة أورد في صدرها: أن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وأنشأ ابن الأثير كتابا في تهنئة الخليفة بمولود أورد صدره: ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب، وأنشأ كتابا إلى أخيه العلامة مجد الدين صاحب جامع الأصول يذكر مفارقته مصر أورد صدره: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين، وأنشأ كتابا إلى الخليفة عن الملك الأفضل حين حوصرت دمشق. أورد صدره: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وأنشأ كتابا إلى الخليفة عن الملك الرحيم وكانت طائفة من مماليكه أرادوا الفتك به فظفر بهم أورد صدره: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله. وأنشأ الكمال عبد الرزاق الأصبهاني مقامة في القوس أورد صدرها: ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا. وكتب الشيخ علي بن وفا رسالة إلى بعض أصحابه أورد صدرها: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. وألف الحافظ الذهبي كتابا في رتن الذي ادعى الصحبة بعد الستمائة سماه كسر وثن رتن أورد صدره: سبحانك هذا بهتان عظيم. وأنشأ بعض الفضلاء. كتاب بشارة بفتح بلاد النوبة والسودان لما غزيت أورد صدره: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل. وأنشأ فخر الدين بن الدهان كتابا إلى القاضي الفاضل يسأله الصلح لأمير المواصلة مع السلطان صلاح الدين بن أيوب افتتحه بقوله قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. وأعظم من هؤلاء كلهم وأفضل وأفخم واكمل أمام العلماء والبلغاء إمامنا الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه سلك مسلك البراعة وأتى بواجب هذه الصناعة فصدر كتاب الرسالة بهذه الآية (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) وبنى عليها الخطبة ولم يصدرها بقوله قال الله تعالى بل وصلها وذلك لأن الخطبة من نوع الإنشاء فان واجبها وصل الآية بالبسملة من غير أن يقال قال الله ونحوه ثم لما عقد البواب وأورد الآيات فيها للاحتجاج صدرها بقوله قال الله تعالى فأعطى كل مقام حقه ووفى كل موضع قسطه وكيف لا وهو أمام الفصاحة والبلاغة والبراعة والذي يقتدي به أكابر هذه الصناعة. فإن قلت هل لذلك من نكتة يستحسنها أهل الذوق أو دليل من الحديث النبوي يطرب إليه أهل الشوق قلت نعم أما النكتة فشيئان أحدهما أنهم أرادوا أن يجعلوا الآية مقام خطبة المقامة أو الرسالة أو نحوها بجامع أنها ذكر والخطبة ذكر كما جعل البخاري حديث إنما الأعمال بالنيات مقام خطبة الكتاب فافتتح به، والثاني أنه لما كانت البسملة من القرآن والآية من القرآن ناسب أن لا يفصل بينهما بشيء بل تكون ملصقة بها ألا ترى أن القارئ إذا أراد أن يقرأ من أثناء سورة فإنه يستحب له أن يبسمل ويقرأ عقبها من الموضع الذي أراده ولم يقل أحد من الأمة أنه إذا بسمل يقول قال الله ثم يشرع في القراءة إنما يفعل ذلك من أراد إيراد آية للاحتجاج ونحوه وأما من أراد محض القراءة فلا يفعل ذلك بحال ولو فعله عد بدعة وخلافا لما عليه الأئمة سلفا وخلقا ولما نص عليه أئمة القراءات في كتبهم ولما ثبت في الأحاديث الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد قط عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ولا من سائر الأمة أنهم كانوا إذا أرادوا أن يقرأوا من أثناء سورة يقولون عقب البسملة قال الله تعالى في مفتتح قراءتهم كانوا يقرؤون الآية موصولة بالبسملة من غير أن يقولوا قال الله إذا أرادوا إيراد آية للاحتجاج على حكم أو نحوه يقولون قال الله تعالى كذا من غير أن يبسملوا، هذا ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وهلم جرا وعليه عمل الإمام الشافعي فإنه لما أراد افتتاح الخطبة بسمل ووصل البسملة بالآية من غير أن يقول قال الله ولما أراد الاحتجاج في الأبواب بالآيات قال قال الله وذكر الآية من غير بسملة، وعلى ذلك عمل علماء الأمة وبلغائها كافة. وأما الدليل فعام وهو ما أشرنا إليه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة وخاص وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى اليمين فصدره بعد البسملة بآية كالخطبة والعنوان وبراعة الاستهلاك للكتاب ووصلها بالبسملة من غير أن يقول قال الله تعالى ونحوه وبذلك اقتدى الأئمة والبلغاء في مكاتباتهم ورسائلهم وخطبهم وإنشا آتهم، قال البيهقي في دلائل النبوة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد ابن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن فكتب له كتابا وعهدا فكتب بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهد من رسول الله لعمرو ابن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ الحق كما أمره أن يبشر الناس بالخير وساق الكتاب بطوله، وقال ابن أبي شيبة في المصنف ثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق قال كتب إلينا ابن الزبير بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان صدقة الفطر صاع صاع. (فصل) وأما الاقتباس في الشعر فلم ينص عليه متقدمو أصحابنا مع شيوعه في إعصارهم واستعمال الشعراء له قديما وحديثا فسكوتهم على ذلك وعدم نصهم على تحريمه يدل على أنهم رأوه جائزا كضرب الأمثال والاقتباس في النثر وأصرح من ذلك أن جماعة من أئمة المذهب استعملوه في شعرهم قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات في ترجمة الأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي أحد كبار الأصحاب وأجلائهم من شعر قوله: يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف *** ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف أبشر بقول الله في آياته *** إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف قال ابن السبكي استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره فائدة فإنه جليل القدر وبعض الناس بحث أنه لا يجوز وهذا الأستاذ أبو منصور من أئمة الدين وفد فعل هذا، واسند عنه هذين البيتين الأستاذ الحافظ أبو القاسم بن عساكر وهما حجة في جواز مثل ذلك. قلت وروى البيهقي في شعب الإيمان عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي قال أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه: سل الله من فضله واتقه *** فإن التقى خير ما يكتسب ومن يتق الله يجعل له *** ويرزقه من حيث لا يحتسب فإسناد البيهقي هذا الشعر وتخريجه في مثل هذا الكتاب الجليل يدل على أنه يجوزه وقد استعمله أيضا الإمام الرافعي وناهيك به إمامة وجلالة وورعا فقال وأنشده في أماليه ورواه عنه الأئمة: الملك لله الذي عنت الوجو *** ه له وذلت عنده الأرباب متفرد بالملك والسلطان قد *** خسر الذين تجاذبوه وخابوا دعهم وزعم الملك يوم غرورهم *** فسيعلمون غدا من الكذاب واستعمله أيضا شيخ الحموي وابن الوردي وجمع من المتأخرين آخرهم الحافظ ابن حجر ولما أنشأ شيخنا الشهاب الحجازي كتابه في اقتباسات القرآن أوقفه عليه فكتب له خطه عليه وأثنى عليه، وقال الشرف بن المقري صاحب الروض والإرشاد في شرح بديعيته: ما كان من الاقتباس في الشعر في المواعظ والزهد ومدحه صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه فهو مقبول وغيره مردود، وقال التقى بن حجة: الاقتباس ثلاثة أقسام مقبول ومباح ومردود فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود والثاني ما كان في الغزل والرسائل والقصص والثالث ما كان في الهزل والخلاعة. وذكر الشيخ علاء الدين العطار تلميذ النووي في كتاب له ألفه في الشعر أنه سأل النووي عن الاقتباس فأجازه في النثر وكرههه في الشعر، ووافقه على ذلك الشبح بهاء الدين ابن السبكي فجوزه في النثر واستعمله وقال الورع اجتنابه في الشعر- ذكره في عروس الأفراح، قلت وعلة التفرقة بين النثر والشعر ظاهرة فإن القرآن الكريم لما نزه عن كونه شعرا ناسب أن يتنزه عن تضمينه الشعر بخلاف النثر. هذا مجموع المنقول عندنا في هذه المسألة، وحاصلة الاتفاق على جواز ضرب الأمثال من القرآن واقتباسه في النثر والاختلاف في اقتباسه في الشعر فالأكثرون جوزوه واستعملوه منهم الرافعي وأما النووي والبهاء بن السبكي فكرهاه ورعا لا تحريما، ولم أقف على نقل بتحريمه لأحد من الشافعية، ومحل ذلك كله في غير الهزل والخلاعة والمجون. ويلتحق بما نحن فيه فائدة جليلة ذكر جماعة من المتأخرين منهم الشيخ ولي الدين العراقي عن الشريف تقي الدين الحسيني أنه نظم قوله: مجاز حقيقتها فاعبروا *** ولا تعمروا هونوها تهن وما حسن بيت له زخرفت *** تراه إذا زلزلت لم يكن ثم توقف لكونه استعمل هذه الألفاظ القرآنية في الشعر فجاء إلى الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد ليستفتيه عن ذلك فلما أنشده إياهما قال له الشيخ قل " وما حسن كهف" فقال يا سيدي أفدتني وأفتيتني، ثم رأيت الشيخ داود الباخلي الشاذلي تعرض للمسألة في كتابه المسمى باللطيفة المرضية في شرح دعاء الشاذلية وبسطها أحسن بسط فقال ما نصه قوله يعني الشيخ أبا الحسن الشاذلي فقد ابتلى المؤمنون إلى آخره هذا اللفظ موافق للفظ التلاوة إلا في قوله فقد ابتلى المؤمنون وليقول المنافقون، والقرآن هنالك ابتلى المؤمنون وإذ يقول المنافقون ولم يرد بذلك التلاوة ولو أريد التلاوة لتعين الإتيان بلفظها إذ لا يحل لمسلم أن يزيد حرفا في القرآن ولا ينقص حرفا وكل مؤمن يعلم ذلك ويقطع به وذلك معلوم ضرورة عند المؤمنين فكيف العلماء العرافين وإذا لم يقصد التلاوة جاز للإنسان النطق باللفظ الموافق للتلاوة سواء كان جنبا أو متطهرا أو يجوز مسه مكتوبا على غير وضوء لأنه إذ ذاك ليس بقرآن وإذا كان كذلك جاز أن يزيد لفظا وينقص لفظا كغيره من الكلام قال وقد وقعت هذه المسألة خصوصا في وقت وتردد سؤال الناس منى عنها وأجبت عنها قال وهذا نص السؤال: هل يجوز ذكر كلمات بسيرة مما يذكر في القرآن العظيم ويقصد به معنى غير ما هو في القرآن كقوله لمن استأذن عليه ادخلوها بسلام آمنين أو يا يحيى خذ الكتاب بقوة أو عتب على أمر فقال كان ذلك في الكتاب مسطورا فإن مدلول اسم الإشارة في قوله غير ما هو في القرآن أو أراد أن يخبر عن حال نفسه هو فقال وما أبرئ نفسي إن النفس لإمارة بالسوء أو وقعت فتنة فثبت قوم واضطرب آخرون فقال ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة أو ضمن ذلك خطبة أو رسالة قاصدا سياق قوله غير قاصد معاني التلاوة، وإذا جاز ذلك فهل له أن يزيد في ذلك وينقص منه أو يغير نظمه بتقديم أو تأخير أو تغيير حركة إعراب ونحو ذلك. ونص الجواب: الكلام في جواب هذا السؤال مستمد من وجهين أحدهما تحقيق معاني ذلك وتبيين وجوه قواعد تنبني عليها وجوه معانيه وذلك يستدعي الكلام من علوم غامضة جليلة هي أساس العلوم ومستنار الفهوم قل من يصل بالتحقيق إليها وكثير من الناس لم يعرج عليها وما ذاك إلا لعلوها عن فهم العموم وغموض معانيها على كثير من الفهوم كعلم قواعد معرفة إعجاز القرآن وعلم أصول الدين وأصول الفقه ودقائق علوم العربية واللغة وأسرارهما وعلم البيان والبديع والمعاني وتصرف اللسان العربي وسعة ميدانه والنظر في سرعة تصريف جواد البلاغة عند إطلاق عنانه في أنحاء أنواع الكلام والتصرف في بدائع المعاني في التوصل إلى الإفهام ولكل عبد في مقدار فهمه ومبلغ علمه حال ولكل مقام مقال، ولقد بلغني عن الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام أنه سئل عن مسألة في نحو ذلك وكان بالإسكندرية فقال لا أجيب عن هذه المسألة في هذه البلدة، وما ذاك إلا لدقة الجواب عن إفهام كثير من الناس لأنه إذا لطف الكلام في دقائق العلوم استصعب ذلك على فهم من لم يكن ذا فهم ثاقب وذهن صحيح وممارسة لكثير من العلوم التي هي أدوات لإدراك غامض المعاني، ولقد ذاكرت الشيخ الإمام شيخ وقته وإمام عصره شيخنا الشيخ شمس الدين الجزري في مسألة من ذلك فقال لي حضرت مع جماعة من الفقهاء فحاولت أن أوصل إلى أذهانهم معنى هذه المسألة فلم يمكن لبعد أذهانهم عن إدراك ذلك، والأصل الآخر المعتمد عليه في بيان ذلك وهي القواطع السمعية والنقول البينة الجلية التي تقرع الأسماع ويرتفع عند وجودها النزاع وفي ذلك أعظم كفاية وأكبر حجة وأجل بيان وأوضح محجة إذ النقول الصريحة يصل إلى فهم معناها وإدراك دلالتها عموم الإفهام ويشترك في الوصول إلى العلم بها الخاص والعام وفي تقصيها والنظر لما فيها ما هو جواب عن هذا السؤال وبيان لمثل هذا الحال وذلك نوعان أحدهما ذكر ما جاء في ذلك من الأحاديث والآثار وكلام الأئمة والعلماء والخطباء والأدباء وما سطره في ذلك علماء البيان وأئمة اللسان قولا، والثاني ما ذكره العلماء أئمة الفتوى في ذلك حكما وذلك أمر في ذلك كاف وجواب في المسألة شاف أما النوع الأول فمن ذلك ما رواه مسلم عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين- الحديث، هذا ظاهر في الدلالة على ذلك لأن التلاوة إني وجهت وجهي وأنا أول المسلمين ففي ذلك أوضح بيان وأشفي جواب لما ذكر، وقد نص على ذلك القاضي عياض في شرح مسلم عند ذكره الحديث وقال وجه قوله من أنه لم يرد تلاوة الآية بل الأخبار بالاعتراف بحالة فنبه بذلك على قواعد جليلة من أنه يجوز أن يراد بشيء من كلمات القرآن غير التلاوة وقد نص على ذلك الأئمة من المالكية والشافعية وعلم ذلك من قولهم وأنه إذا أريد بذلك غير التلاوة جاز أن يحذف شيء منه ويزاد على سياق قول قائله، ومن ذلك ما رواه البخاري في حديث هرقل فإن فيه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة- إلى قوله بأنا مسلمون فذكر فيه سلام على من اتبع الهدى والتلاوة والسلام وذكر فيه ويا أهل الكتاب، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والتلاوة ربنا آتنا، وقد سماه أنس دعاءا ولم يسمه تلاوة، وفي البخاري حديث لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يبعث - الحديث، وحديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف، وحديث ابن عمر قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وحديث البراء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله (قد نرى تقلب وجهك في السماء) فتوجه نحو الكعبة (وقال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم) ومن ذلك ما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" ففي ذلك دلالة ظاهرة على المعنيين جميعا الحذف حيث حذف الهاء من تفعلوه والزيادة والقصد سياق كلام المتكلم إذا قصد غير التلاوة، ومن ذلك ما روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم فالق الأصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا أقض عني الدين واغثني من الفقر، وروى في كتاب إلى ملك فارس من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس- إلى قوله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، وروي في عهد أبي بكر لعمر هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله- إلى أن قال والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وفي رسالة أبي بكر إلى علي أيام توقفه عن البيعة فقال والله على ما نقول شهيد وبما نحن عليه بصير، وقال علي في جوابه آخر كلام له وإني عائد إلى جماعتكم ومبايع صاحبكم- إلى قوله ليقضي الله أمرا كان مفعولا وكان الله على كل شهيدا. ومن رسائل القاضي الفاضل وقد ذكر الفرنج: وغضبوا زادهم الله غضبا وأوقدوا نارا للحرب جعلها الله لهم حطبا، ومن ذلك قول الفقيه الإمام الخطيب عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباته في خطبه المشهورة السائرة شرقا وغربا قال في خطبة هنالك: يرفع الحجاب ويوضع الكتاب ويجمع من وجب له الثواب وحق عليه العذاب فيضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وقال في خطبة أخرى ياله من نادم على تضييعه أسفا على المسيء من صنيعه حيث عاين رتب الصالحين وأبصر منازل المفلحين الذين قدروا الله حق قدره وكانوا تصب نهيه وأمره ولم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكره، وقال في أخرى ألا وأن الجهاد كنز وفر الله به أقسامكم وحرز طهر الله به أجسامكم وعن أظهر الله فيه إسلامكم فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فأحسنوا رحمكم الله الثقة بمن لم يزل بكم برا لطيفا وقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا واغتنموا بمقارعة العدو وقرب الفرج فإن الله اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، وقال في أخرى وخرست الألسن الفصيحة عن الكلام وقضى بدار البوار لمن حرم دار السلام وعرف المجرمون بسيماهم فأخذوا بالنواصي والأقدام، وكلامه في نحو ذلك كثير في خطبه وكذلك غيره من الفصحاء والعلماء وأئمة اللسان، والاستدلال على ذلك بهذه الخطب ظاهر جلي لأنها اشتهرت على رؤوس المنابر وذكرت في جمع المسلمين وجموعهم وتكررت على أسماع كثير من العلماء والأئمة الأكابر فالاحتجاج بها على مثل ذلك جلي ظاهر. وقال القاضي الإمام ناصر الدين بن المنير في خطبه المشهورة مع اشتهاره بالعلوم الدينية والأدبية وتقدمه وتبحره في ذلك وسيادته فقال في خطبة: كيف بك إذا جئت وأنت لجميع ما خلفت فاقد وجاءت كل نفس معها سائق وشاهد، وقال في أخرى الحمد لله الذي يدافع عن الذين آمنوا ويكافئ بالحسنى والزيادة الذين أحسنوا، وقال في أخرى بل هو الفرد الصمد الواحد الأحد يسمع النجوى ويعلم السر وأخفى وهو تعالى أينما كنا معنا، وقال في أخرى فا لله الله عباد الله شمروا الذيل فإن السيل قد بلغ الزبى فحلوا الحبا وسلوا الظبا وأعدوا لعدوكم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبونهم به رهبا، قال والاستدلال بهذه الخطب على نحو ما تقدم في تلك وتزيد هذه بوفور علم من نسبت إليه وتقدمه في العلوم الشرعية عليه. وإنما ذكرت هذه من هذين لشهرتهما وكثرة دور خطبهما بين الناس وكثرتهما وإلا فكلام العلماء والفصحاء في هذا المنهاج متسع وكثير وسلوك أرباب العلوم والآداب في ذلك معلوم وشهير، وقال الحريري في المقامة الثانية الحلوانية فلم يك إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب، وقال في الخامسة الكوفية: فهل سمعتم يا أولي الألباب بأعجب من هذا العجاب فقلنا إلا ومن عنده علم الكتاب، وقال في السادسة لقد جئتم شيئا إدا وجرتم عن القصد جدا، وقال فيها أيضا فإن كنت صدعت عن وصفك باليقين فأت بآية إن كنت من الصادقين، وقال في الإسكندرية واصبر على كيد الزمان وكده فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، وقال في الرجبية كلا ساء ما تتوهمون ثم كلا سوف تعلمون، وقال في الميافارقية: ولا سما يفتح مستصعب *** مستغلق الباب منيعا مهيب إلا ونودي حين يسمو له *** نصر من الله وفتح قريب وقال في البغدادية فعاهدني أن لا أفوه بما أعتمد مادمت حلا بهذا البلد، وقال في الملطية فقال افعل لئلا يرتاب المبطلون ويظنوا بي الظنون. ومثل ذلك ونظائره كثير جدا والقصد التنبيه على ما ذكر ليعلم الناظر أنه أمر ظاهر مشهور معلوم والاستشهاد بما في المقامات لكثرة دورها بين الناس واشتهارها واطلاع علماء الإسلام على ما فيها وقراءتها وإقرائها وحفظها وشرحها والاعتناء بها يوضح صحة الاستشهاد بما فيها على ما ذكر وهاأنا أذكر جملة دالة على صحة ذلك مؤكدة لما نحن بسبيله مما ذكره الأئمة وعلماء البلاغة وفرسان اللسان والذين يرجع إليهم في مثل هذا الشأن ليعلم أن ذلك عندهم معلوم السبيل علما جزما وأنه مشهور بينهم نثرا ونظما: وأنشد القاضي أبو بكر الباقلاني في ذلك جملة في كتاب الإعجاز له وأنشد الإمام أبو بكر الطرطوشي في كتاب الفوائد له قال أنشدني بعض البغداديين: رحل الظاعنون عنك وأبقوا *** في حواشي الحشا وجدا مقيما قد وجدنا السلام بردا سلاما *** إذ وجدنا النوى عذابا أليما وأما علماء البيان في كتبهم فقد أكثروا من ذلك أنشدوا للحماسيين: إذا رمت عنها سلوة قال شافع *** من الحب ميعاد السلو المقابر سيبقى لها في مضمر القلب والحشا *** سريرة ود يوم تبلى السرائر وقول الآخر: لا تعاشر معشر أضلوا الهدى *** فسواء أقبلوا أو أدبروا بدت البغضاء من أفواههم *** والذي يخفون منها أكبر وقول الآخر: إن كنت أزمعت على هجرنا *** من غير ما جرم فصبر جميل وإن تبدلت بنا غيرنا *** فحسبنا الله ونعم الوكيل وقول الآخر: خلة الغانيات خلة سوء *** فاتقوا الله يا أولي الألباب وإذا ما سألتموهن شيئا *** فاسألوهن من وراء حجاب قال ولولا خشية التطويل لذكرت من ذلك جملة كثيرة لكن في التنبيه بما ذكر كفاية ولأني أكره ذكر التضمين في الشعر لكن المقصود الإعلام بأن ذلك مذكور مشهور. وأما النوع الثاني من الاستدلال وهو ما ذكره أئمة الفتوى وعلماء الأصول فقد نص القاضي أبو بكر الباقلاني أمام هذا الفن والقدوة في هذا الباب في كتاب إعجاز القرآن له على تضمين كلمات من القرآن في نثر الكلام ونظمه وذكر من ذلك جملة ولكن أشار إلى كراهة التضمين في الشعر خاصة وذلك ظاهر لإجلال كلمات تذكر في القرآن العظيم أن تساق في أوزان الشعر وجعل ذلك على سبيل الكراهة في الشعر خاصة دون المنع والتحريم، والمكروه جائز الإقدام عليه عند علماء الأصول وهذا بخلاف الكلام، وكلام مثل هذا الإمام في مثل ذلك كاف وكذلك ما ذكره القاضي عياض في شرح مسلم كما تقدم، وذكر الإمام محي الدين النووي في كتاب التبيان له فقال قال أصحابنا إذا قال الإنسان خذ الكتاب بقوة وقصد به غير القرآن فهو جائز قالوا ويجوز للجنب والحائض أن يقولا عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون إذا لم يقصدا القرآن فانظر صريح هذا النقل، وهذا إمام من المجتهدين في مذهب الشافعي بل هو في هذا الزمان عمدة المذهب في نقله وتصحيحه وقد صرح بجواز أن يقصد غير القرآن كرر ذلك في مواضع، وكذلك ذكر إمام الحرمين وهو قدوة في العلوم الفقهية والأصول الدينية، ولو بسط القول في ذلك نقلا وبحثا لاتسع جدا، وقد نص على ذلك الأئمة من المالكية والشافعية ولم أر لأحد من أئمة المذهبين في ذلك خلافا، وأما علماء البيان وأئمة الفصاحة وأهل الاجتهاد في بدائع اللسان العربي وهم من أئمة المسلمين وعلمائهم فقد أوضحوا القول في ذلك وسموه بالاقتباس ولم يكتفوا في ذلك بحكم الجواز فقط وإنما جعلوه من حسن الكلام وجيده ومعدودا في طبقات الفصاحة إذ هو عندهم من أنواع علم البديع فقد اجتمع على التصريح بالمقصود من ذلك أئمة الفتوى وأئمة الفصاحة وهو كما ترى أمر بين معلوم واضح للمتأملين والمسألة ظاهرة جلية وشواهدها من السنة وكلام السلف والخلف والعلماء والفصحاء كثيرا جدا. ومما استشهدوا به على الاقتباس مع تغيير اللفظ المنقول قول بعض المغاربة: قد كان ما خفت أن يكونا *** إنا إلى الله راجعونا وقول الآخر: يريد الجاهلون ليطفئوه *** ويأبى الله إلا أن يتمه ومما استشهدوا به على الاقتباس من لفظ الحديث قول ابن عباد: قال لي ان رقيبي *** سيء الخلق فداره قلت دعني وجهك الجنة *** حفت بالمكاره وهذا لا جائز أن يكون هو الحديث أصلا بل هو موافقة في ظاهر عبارة فقط والله تعالى المسدد والهادي وهو حسبنا ونعم الوكيل انتهى جواب الشيخ داود الشاذلي بلفظه، وهو أحد أئمة المالكية وأحد محققي الصوفية أخذ التصوف عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله والعلوم عن الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري شارح منهاج البيضاوي وعن غيره من المشايخ وله مؤلفات جيدة تؤذن بطول باع ورسوخ قدم وسعة اطلاع رحمه الله ونفعنا به.
|